إدارة التنوعإدارة الموارد البشريةإدارة علاقات الموظفينالإبداع والتغييرالعمل الجماعيبيئة العملقيادة فرق العمل

الإبداع نتيجة عملية للتوازن بين تنوُّع وانسجام وتماسك الفرق

غالبًا ما تكون العملية الإبداعية محيرة في الفرق الأكثر تنوعاً. ولكن في الحقيقة، الأمر كله يتعلق بانسجام وتماسك أعضاء هذه الفرق حتى تتدفق الأفكار الإبداعية. بينما يبدو أن تكوين الفريق المتنوع يمنح ميزة عندما يتعلق الأمر بتوليد مجموعة واسعة من الأفكار الابتكارية المفيدة، تشير الدراسات التجريبية إلى أن التنوع ربما يعيق الإجماع الذي يؤدي اختفاء هذه الفوائد بمجرد تكليف الفريق بتحديد الأفكار التي يجب اختيارها وتنفيذها. علماً أن القيادة الفعَّالة للفرق يمكن أن تخفِّف من حدة النزاعات الناشئة عن التنوع. وبغض النظر عن الأسباب الاجتماعية والسياسية والأخلاقية لتشجيع مكان عمل أكثر تنوعًا، يمكن القول إنه لا يوجد حافز أفضل لتعزيز التنوع من فرضية أن الفرق والمنظمات المتنوعة أكثر إبداعًا. وبالتالي من الطبيعي أن يكون الإبداع نتيجة عملية للتوازن بين تنوُّع وانسجام وتماسك الفرق.

فضلاً عن ذلك لن تأتي المكاسب المحتملة في الإبداع الناتج عن التنوع على حساب انسجام وتماسك الفرق. فيما يلي نتائج عملية تؤكد فرضية هذا التوازن بين تنوُّع وانسجام وتماسك أعضاء الفرق:

1. الفرق بين توليد الأفكار وتنفيذها

تشير العديد من الدراسات إلى أن مكاسب الإبداع الناتجة عن تنوُّع الفرق تتعطل بسبب الصراع الاجتماعي المتأصل وعجز صنع القرار الذي تخلقه الفرق الأقل تجانسًا. لذلك سيكون من المنطقي للمنظمات زيادة التنوُّع في الفرق التي تركز على الاستكشاف أو توليد الأفكار، واستخدام فرق أكثر تجانساً لرعاية وتنفيذ تلك الأفكار. كما أن هذا التمييز يعكس الكفاءات النفسية المرتبطة بالعملية الإبداعية، حيث أن التفكير المتشعب والانفتاح على التجربة والعصف الذهني، هي ضرورية لإنتاج عدد كبير من الأفكار الأصلية. ولكن حتى تصبح هذه الأفكار ابتكارات فعلية، تتطلب خبرة إدارية وقيادة فعَّالة. على الرغم من كل الحديث عن أهمية الإبداع، فإن معظم المنظمات تمتلك فائضًا من الأفكار الإبداعية التي لا يتم تنفيذها أبدًا، ولن يؤدي المزيد من التنوُّع إلى حل هذه المشكلة.

2. القيادة الفعَّالة للفرق تخفِّف النزاعات الناشئة

القيادة الفعَّالة للفرق يمكنها التخفيف من حدة النزاعات الناشئة عن التنوُّع. كذلك فهي أيضاً تمكِّن أعضاء الفرق من وضع أجنداتهم الشخصية جانبًا للتعاون مع الآخرين من أجل المنفعة المشتركة للفريق. إضافة لذلك تساهم في توضيح التوتر الطبيعي بين رغبة الأعضاء في التقدم على الآخرين وحاجتهم للتوافق معهم. كل هذا مهم بشكل خاص عندما تكون الفرق متنوِّعة، لأنه سيكون من الصعب على أعضاء الفريق رؤية الأشياء من وجهات نظر الأعضاء الآخرين، والتعاطف معهم، وقمع تحيزاتهم الواعية واللاواعية.

3. الاعتدال في التنوُّع

تفترض معظم الدراسات أن هناك علاقة خطية بين التنوُّع والإبداع. لكن بعض الدراسات الحديثة تشير إلى أن التنوُّع المعتدل في الفرق أكثر فائدة من التنوُّع المفرِط. علماً أن هذه النتيجة تتوافق مع نموذج “الكثير من الأشياء الجيدة” في علم الإدارة، والذي يوفر دليلًا مقنعًا على فكرة أنه حتى أكثر الصفات المرغوبة لها جانب مظلم إذا تم أخذها إلى أقصى الحدود. بمعنى آخر، كل الأشياء جيدة في الاعتدال.

4. المتغيرات الشخصية والقيم والقدرات

تركز معظم المناقشات حول التنوُّع على المتغيرات الديموغرافية مثل الجنس والعمر والعِرق. ومع ذلك، فإن الجوانب الأكثر إثارة للاهتمام وتأثيراً للتنوُّع هو التنوُّع العميق الذي يشمل المتغيرات الشخصية والقيم والقدرات. في الواقع، هناك العديد من المزايا للتركيز على هذه المتغيرات بدلاً من العوامل الديموغرافية. وبينما تديم المتغيرات الديموغرافية التوصيفات النمطية والمتحيزة، يركز التنوُّع العميق على الفرد، مما يسمح بفهم أكثر دقة للتنوُّع البشري.

5. مشاركة المعرفة

تعتبر المعرفة رصيداً قيِّماً لأي منظمة، وخاصة في العصر الرقمي، حيث المعلومات وفيرة وديناميكية. ومع ذلك، لا تتعلق المعرفة بالبيانات والحقائق فحسب، بل تتعلق أيضًا بالرؤى والتجارب والأفكار التي يمكنها تحسين الأداء والابتكار والتعاون. بغض النظر عن مدى تنوُّع أعضاء الفريق، فإن ثقافة مشاركة المعرفة تعزِّز الإبداع. وبالتالي على القادة تعزيز ثقافة مشاركة المعرفة التي تشجع وتمكّن فرقهم من إنشاء المعرفة والوصول إليها واستخدامها بشكل فعال.

6. التدريب المتنوِّع

كبشر، نتعامل مع الاختلافات بعدم الثقة، حيث أن جزء صغير من الناس لا يؤمنون بالمساواة في الحقوق ولا يعاملون الجميع بتعاطف واحترام. لأن هؤلاء الأشخاص يأتون من خلفيات جامدة ومحافظة، مما يجعل التنوُّع والاندماج أمرًا صعبًا. للتخفيف من هذه المشكلة، يحتاج المديرون إلى دعم برامج التدريب المتنوعة لتغيير عقليات الناس. غالبًا ما يهدف التدريب المتنوع إلى تحقيق أهداف مثل الحفاظ على معنويات عالية لأعضاء الفرق، وتعزيز التفاهم والانسجام والتماسك بينهم. كذلك أيضاً هو مصمم لتسهيل التفاعل الإيجابي بين المجموعات، وتقليل التحيُّز والتمييز، وتعليم أعضاء الفرق المختلفين عن الآخرين بشكل عام كيفية العمل معًا بفعالية ليكونوا أكثر إبداعاً وإنتاجية.

7. اختيار الموظفين على أساس الإبداع

بينما التنوُّع يمكن أن يعزِّز الإبداع، إلا أنه من المهم ملاحظة أن هناك العديد من الدوافع الأخرى المؤثرة للإبداع. علماً أن دعم الابتكار والرؤية وتوجيه المهام والتواصل يعتبروا من أقوى العوامل المؤثرة للإبداع والابتكار. كذلك أيضاً فإن تطوير الخبرة، وتكليف أعضاء الفريق بمهام ذات مغزى ومثيرة للاهتمام، وتحسين مهارات التفكير الإبداعي ستؤدي إلى مكاسب أعلى في كل من الإبداع الفردي والجماعي مقارنة بالتركيز على التنوع. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن أفضل طريقة لتعزيز كل من الإبداع والتنوع هي اختيار الموظفين على أساس إبداعهم، بدلاً من قدرتهم المعرفية أو مؤهلاتهم التعليمية، لأن ذلك وحده من شأنه أن يعزِّز مستوى التنوُّع النموذجي للمنظمات.

تحديات الفرق المتنوعة

قبل إنشاء فرق متنوعة في المنظمة، من المهم مراعاة بعض التحديات التي قد تواجهها هذه الفرق. إن إدراكك لهذه التحديات مسبقًا يمكن أن يساعدك في إنشاء فرق أكثر فاعلية وأكثر إبداعاً يمكنها التغلب عليها. تتضمن بعض التحديات التي قد تواجهها هذه الفرق ما يلي:

1. معوقات الاتصال

عند إنشاء فريق بخلفيات مختلفة، قد يكون بعض أعضاء الفريق متحدثين أصليين للغات مختلفة. علماً أن هذا يمكن أن يشكِّل أحد معوقات الاتصال ويقلِّل من فعَّالية وإبداع الفريق. كقائد فريق ناجح، عليك تحديد المعوقات المحتملة قبل إنشاء الفريق النهائي، مما يساعدك في تنفيذ الإجراءات المضادة لتحسين الاتصال. إضافة لذلك يمكنك من خلال تشجيع فريقك على التعرف على اللغات المختلفة لأعضاء الفريق الآخرين إلى تحسين قدرات الاتصال للفريق بشكل كبير.

2. الاختلافات الثقافية

عندما تشكِّل فِرَقًا ذات خلفيات ثقافية مختلفة، فقد يؤدي ذلك أحيانًا إلى حدوث نزاع بين الأعضاء. كما أن ذلك يمكن أن يؤثر على الأداء والإبداع وسير العمل للفريق، مما قد يؤثر على العلاقات في مكان العمل. علماً أن إنشاء حدود العمل يمكن أن يفيد الفرق لمنع الصراع الثقافي، حيث يشمل ذلك وضع حدود للمحادثات حول مناقشة المعتقدات الثقافية أو الدينية أو السياسية.

3. عوائق أمام اتخاذ القرارات

في بعض الحالات، يمكن للفرق المتنوعة أن تقلِّل من قدرات اتخاذ القرار في الوقت المناسب. كذلك يمكن أن تؤدي الخلافات أو وجهات النظر المتعددة إلى اتخاذ قرارات أقل فاعلية وتأثير على عمل الفريق. كقائد فريق، يمكنك تعيين أحد أعضاء الفريق للتوسط في المناقشات أو النزاعات لمنع حدوث المناقشات أو الحجج، ويمكن أن يساعد الفريق في الوصول إلى القرارات بشكل مثمر.

4. تحيُّز أعضاء الفريق

عندما تقوم الفرق بتحليل العمليات أو الإجراءات، قد يشكل الأعضاء تحيُّزًا تجاه حل أو آخر. حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث تعارض ويمنع الفرق من اكتشاف الحلول التي يمكن أن تفيد المنظمة. لتحليل التحيُّز المحتمل للفريق، من المهم أن تعرف شخصية أعضاء فريقك. كذلك يمكنك التخلص من فرص التحيُّز من خلال ضمان نقل جميع أعضاء الفريق لأفكارهم ومخاوفهم. إضافة لذلك، يمكن أن يؤدي ضمان مشاركة جميع أعضاء الفريق إلى التعاون وتحسين العلاقات فيما بينهم.

الإبداع والتنوع متشابكان بشكل أعمق بكثير مما قد يتخيله المرء للوهلة الأولى. عندما يجتمع الأشخاص من خلفيات متنوعة معًا، فإنهم يركزون أكثر على الحقائق ويعالجونها بعناية أكبر. من المرجح أن ينظروا باستمرار إلى الحقائق ويظلوا موضوعيين، بينما يشجعون في نفس الوقت مزيدًا من الاهتمام بتصرفات كل عضو. وهذا يضمن بقاء مواردهم المعرفية المشتركة يقظة وحادة باستمرار. علماً أن ذلك سيجعل فريقك أكثر ذكاءً وإبداعًا وفي النهاية أكثر ابتكارًا. ولكن عليك التأكد من تعزيز الممارسات الشاملة في مكان العمل، حتى يكون الإبداع نتيجة عملية للتوازن بين تنوُّع وانسجام وتماسك الفرق، ويقدمون أفضل ما لديهم للإبداع في عملهم كل يوم.

اظهر المزيد

د عاطف عوض

د عاطف عوض أستاذ جامعي تخصص إدارة موارد بشرية. خبرة أكثر من 25 سنة في مجال العمل الأكاديمي والإداري. استشاري في تطوير السياسات واستراتيجية الموارد البشرية المبتكرة. وكذلك خبرة طويلة في تطوير الممارسات المستقبلية بما في ذلك استراتيجيات التطوير الوظيفي وإدارة المواهب وبرامج التطوير واستراتيجيات الإدماج. القدرة على توجيه المشاريع المعقدة من المفهوم والأفكار إلى حالة التشغيل الكامل. مدرب دولي معتمد في مجال تطوير وتنمية الموارد البشرية والتطوير التنظيمي.
زر الذهاب إلى الأعلى