القيادة والإستراتيجيةقيادة فرق العملمهارات القيادةمهاراتنا

القيادة الخادمة تخلق توازن بين ممارسة القيادة وخدمة الآخرين

في ظل التطور الهائل والمتسارع في عالم الأعمال سيكون هناك تغيُّر حتمي في الفكر الانساني بشكلٍ عام والاداري بشكلٍ خاص. علاوة على ذلك فإن التحول الذكي في منظمات الأعمال يؤكد ضرورة التحوُّل في المفاهيم والأنماط الادارية أيضاً لتهيئة المنظمات للمستقبل. من هنا تظهر الحاجة الشديدة اليوم الى نمط جديد ومبتكر في القيادة ألا وهو ” القيادة الخادمة “. حيث يقوم على معادلة ذكية وهي أن القائد أثناء قيادة الأفراد وفرق العمل فهو يخدمهم لكي يكونوا أكثر استعداداً وقابلية لخدمة الآخرين.

وعليه فإن تبنّي قادة الأعمال الاستراتيجيين والمستقبليين لنمط ” القيادة الخادمة ” يؤدي إلى تشجيع وتعزيز العمل كفريق، والمشاركة في صنع القرار، والاهتمام بالموظفين وتعزيز التعلُّم والنمو. كما أن اعتماد هذا النمط القيادي في منظمات الأعمال سيؤدي حتماً إلى الارتقاء الوظيفي والأداء فيها لتصبح أكثر إنتاجاً وإبداعاً. فضلاً عن ذلك الاهتمام والرعاية الفعلية للمواهب فيها.

القيادة الخادمة

القائد هو الذي يستطيع توجيه جهود الآخرين نحو تحقيق الهدف المُراد إنجازه بكفاءة وفعالية. والقيادة الخادمة بدورها تحقق هذا الأمر بشكل فعلي من خلال التركيز على تمكين الموظفين وتشجيعهم على الابتكار. كما أنها تعزز مشاركتهم  في عملية اتخاذ القرارات ووضع السياسات التي تتلاءم والمستجدات والتغييرات التنظيمية.

القاعدة الأساسية للقيادة الخادمة هي إحداث توازن بين ممارسة القيادة وخدمة الآخرين. ويمكن تحقيق ذلك من خلال إعداد برامج تطوير للموظفين تحدد مساراتهم الوظيفية وتلبي أهدافهم واحتياجاتهم بوصفها أولوية للمنظمة. إذ أن الغاية من القيادة الخادمة هي تحسين حياة الأفراد أنفسهم، ثم رفع مستوى منظماتهم من بعدهم. كما أنها تعتبر أفضل ممارسة لخلق مشاركة الموظفين وزيادة الإنتاجية.

تحقّقْ من ذاتك قبل خدمة الآخرين

في الواقع إن مفتاح ” القيادة الخادمة ” الناجحة في خدمة الآخرين هو أن يبدأ القادة بأنفسهم. للوهلة الأولى يظن البعض أن هناك مفارقة وتعارض بين هذا الكلام ونمط ” القيادة الخادمة “. ولحل هذه المفارقة أقترح النموذج التالي الذي من خلاله يمكنك كقائد عمل أن تتحقّق من ذاتك عبر خمس خطوات قبل البدء بخدمة الآخرين بشكلٍ عام وفريق عملك بشكلٍ خاص:

1. تحقّقْ من قدراتك الذاتية

كقائد لا يمكنك أن تنسى تخصيص وقت لتطوير تعلُّمك ونموّك الذاتي أثناء التزامك بمساعدة فرق العمل على التعلُّم والنمو. لذلك عليك التحقق من قدراتك الذاتية وخبراتك ومهاراتك وتطويرها لتنعكس بشكل فعلي خلال ممارسة عملك. فأنت لا تساعد موظفيك فقط كقائد، بل أنت مثال وقدوة لهم أيضًا.

2. تحقّقْ من توازنك بين العمل والحياة

في الواقع، يعتبر التعامل مع ضغوط العمل والتعافي منها في صدارة اهتمامات العديد من الأشخاص والمنظمات. وكان التركيز غالبًا على تحقيق التوازن بين العمل والحياة كطموح. ولكن مع وجود الأزمات التي تواجه المنظمات، على سبيل المثال جائحة كورونا، كقائد أصبح تحقيق التوازن بين الحياة والعمل، والتطبيق الفعلي لممارسات الصمود والمرونة من الأولويات الضرورية والتحديات الكبيرة. والتي بدورها تساهم في استمرارية الأعمال، ومحاولة تحقيق أكبر قدر ممكن من التوازن بين العمل والحياة.

3. تحققْ من وعيك الذاتي

يعتبر الوعي الذاتي أحد المهارات القيادية الأساسية اللازمة للقيادة الفعالة، لأنه ينمّي لدى القادة قدرات البحث عن الانماط المختلفة في طرق التفكير التي يميلون اليها، وكيفية ملاحظة المواقف التي يمرون بها. بالإضافة إلى كيفية تفسير الأشياء لأنفسهم وفهم العالم من حولهم. لذلك كقائد لا يمكنك وضع احتياجات الآخرين في المقام الأول إذا لم تعزِّز وتزيد وعيك الذاتي وتفهم تمامًا القيم الخاصة بك وتفكر فيها وكيف تشكل تفاعلاتك. فالقيادة الخادمة تحتاج الى مستوى عالي من الوعي الذاتي حتى تكون فعّالة.

ولزيادة وعيك الذاتي وقدرتك في التأثير بالآخرين، عليك التواصل الفعّال مع موظفيك والاستماع لهم والحصول على التغذية الراجعة منهم. والتي بدورها تخلق نموذجاً أكثر فاعلية للقيادة الخادمة في خلق بيئة عمل ايجابية وتشاركية.

4. تحقّقْ من ذكائك العاطفي

كقائد فإن الذكاء العاطفي يساعدك على تنمية مهارة التعاطف مع فريق عملك، من خلال وضع نفسك مكانهم والشعور بما يشعرون. مما يؤدي بك لتكون قادراً على إدارة العلاقات معهم وتوجيهها في منحى إنساني راقي. والقيادة الخادمة تتطلب تطوير مهارتك في الذكاء العاطفي لكي تزيد قدرتك على فهم طريقة تفكير ودوافع وسلوكيات الآخرين بشكلٍ عام وموظفيك بشكلٍ خاص. فهو يعزز تواصلك وتعاملك معهم، لأنك تدرك حقيقة مدى سيطرة المشاعر عليهم، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تمتين العلاقات، سواء كانت على المستوى المهني أم على المستوى الشخصي معهم.

5. تحقّقْ من ذكائك الثقافي

يعد امتلاك الذكاء الثقافي تغييرًا إيجابيًا للأعمال، لأنه يعني المزيد من الوصول إلى الموارد والمعلومات والمواهب. كقائد تحتاج لفهم قِيَم موظفيك وتوقعاتهم، وهذا يتطلب أن تكون صاحب مهارة ذكاء ثقافي عالية المستوى. فهو يمكِّنك من الفهم والسيطرة على الاختلافات التي قد تسبب تناقضات أو صراعات بين موظفيك وفرق العمل بغض النظر عن تنوعهم واختلاف ثقافاتهم. ومع التزايد الكبير في التنوع في الموارد البشرية في المنظمات، فإن القيادة الخادمة تتطلب مهارة عالية في الذكاء الثقافي لفهم الثقافات المتعددة والتعامل معها، حيث تتواجد جميعها في نفس مكان العمل. لذلك تعلُّم القِيَم الجوهرية والأفكار المميزة للمجتمعات وقبول الثقافات سوف يزيد لديك مهارة الذكاء الثقافي، والتي بدورها تساعدك على القيادة بفعالية وإنتاجية أفضل.

مزايا وفوائد القيادة الخادمة

معرفة القائد الكافية عن المنظمة والمهام الموكلة له تمكِّنه من تقديم المساعدة والدعم الفعّال وتسهيل مهام فرق العمل بشكلٍ عام والمرؤوسين المباشرين بشكلٍ خاص. علاوة على ذلك فإن اعتماده نمط ” القيادة الخادمة ” يحقق بعض المزايا والفوائد التي:

  1. تساهم في التطوير التنظيمي من خلال تمكين الموظفين وإلهامهم للعمل كفريق وزيادة النمو والإنتاجية.
  2. تساعد الموظفين على فهم نقاط القوة والضعف الخاصة بهم والوصول لقمة قدراتهم وكفاءاتهم لتحقيق التوازن في حياتهم.
  3. تساهم في تأسيس ثقافة خدمة الآخرين، سواء داخل المنظمة أو خارجها.

في عالمنا المتزايد التعقيد، يتطلب من القادة اتخاذ قرارات صعبة ويكون التغيير هو الثابت الوحيد. لذلك عليهم كقادة استراتيجيين اعتماد نهج ” القيادة الخادمة ” وجعلها أكثر استدامة من أجل خدمة الفريق الذي يقودونه بشكل أكثر فعالية. لأن اعتماد هذا النهج يساعدهم في إعداد قادة ومدراء المستقبل الذين يكونون أكثر إبداعاً وإنجازاً ويساهمون في نمو وتطور المنظمات وتحقيق رؤيتها المستقبلية.

اظهر المزيد

د عاطف عوض

د عاطف عوض أستاذ جامعي تخصص إدارة موارد بشرية. خبرة أكثر من 25 سنة في مجال العمل الأكاديمي والإداري. استشاري في تطوير السياسات واستراتيجية الموارد البشرية المبتكرة. وكذلك خبرة طويلة في تطوير الممارسات المستقبلية بما في ذلك استراتيجيات التطوير الوظيفي وإدارة المواهب وبرامج التطوير واستراتيجيات الإدماج. القدرة على توجيه المشاريع المعقدة من المفهوم والأفكار إلى حالة التشغيل الكامل. مدرب دولي معتمد في مجال تطوير وتنمية الموارد البشرية والتطوير التنظيمي.
زر الذهاب إلى الأعلى