إدارة الصراع التنظيمي الفعَّالة تجعل المنظمات أكثر إستقراراً وإنتاجية
يشير الصراع التنظيمي إلى حالة سوء الفهم أو الخلاف الناجم عن المعارضة المتصورة أو الفعلية في الاحتياجات والمصالح والقيم بين الأشخاص الذين يعملون معًا. يمكن أيضًا وصف الصراع التنظيمي بأنه تضارب في مكان العمل. حيث تحدث النزاعات أثناء المواقف التي يوجد فيها تفاعل بين عضوين أو أكثر في منظمة تنطوي على آراء متناقضة. بعبارات أبسط، يشير الصراع التنظيمي إلى نتائج التفاعل البشري الذي يبدأ بإعلان عضو في المنظمة أن قيمه أو مواقفه أو أهدافه لا تتوافق مع المواقف أو القيم أو الأهداف التي حددتها المنظمة ويجب أن يتبعها أعضاؤها. وبالتالي يمكن أن تتنوع النزاعات كالغيرة والمنافسات والصدامات الشخصية والصراعات من أجل المحاباة والسلطة وتقسيم الأدوار. مما يؤدي إلى استجابة الموظفين الفرديين بشكل مختلف لمختلف المواقف الصعبة التي تنشأ في العمل. وبالتالي لا بد من تعزيز وترسيخ إدارة الصراع التنظيمي الفعَّالة التي تجعل المنظمات أكثر إستقراراً وإنتاجية.
أسباب الصراع التنظيمي
1. التواصل
من أهم قضايا الصراعات التنظيمية ضعف أو سوء التواصل. في بعض الأحيان ينشأ الصراع ببساطة من مشكلة اتصال صغيرة غير مقصودة، مثل رسائل البريد الإلكتروني المفقودة أو التعامل مع الأشخاص الذين لا يردون على المكالمات الهاتفية. إضافةً إلى ذلك، إن إعطاء الملاحظات هو أيضًا حالة يمكن أن تتصاعد فيها النوايا الحسنة بسرعة إلى حالة النزاع. لذلك عند التواصل، يجب التركيز على السلوك وتأثيراته، وليس على الشخص. وبالتالي، يمكن أن يؤدي سوء أو عدم التواصل المناسب إلى الصراع داخل المنظمة، مما يؤثر أيضًا سلبًا على إنتاجية فرق العمل بأكملها.
2. الهيكل التنظيمي
يلعب الهيكل التنظيمي دورًا مهماً في اتخاذ الصراع أشكالاً مختلفة. غالباً ما يؤدي شكل الهيكل التنظيمي إلى نزاع فيما يتعلق بالقرار. لأن أحياناً يحدد الهيكل أن كل مدير يقدم تقاريره إلى رئيسين. وبالتالي سيؤدي هذا النوع من الهياكل التنظيمية دائمًا إلى حدوث ارتباك حيث يتم تقسيم المنظمة إلى أجزاء أصغر، ولديها دائمًا رأيان حول قضية واحدة.
3. العلاقة بين السلطة والمسؤولية
يحدد تصميم السلطة في الهيكل التنظيمي فرص نشوء الصراع. علماً أن وجود علاقة غير محددة أو واضحة بين السلطة والمسؤولية سيؤدي حتماً إلى صراع. لذلك عندما لا يتم تحديد علاقات السلطة والمسؤولية بشكل صحيح أو بالأحرى بشكل واضح، سيؤدي ذلك إلى عدم الاتساق في العمل الذي بدوره يؤدي إلى الصراع التنظيمي.
4. الاختلافات الشخصية
الاختلافات في الشخصية في مكان العمل شائعة ومتوقعة. حيث يعمل موظفون من خلفيات عرقية وثقافية مختلفة، ولديهم تجارب وعقلية مختلفة، مما يشكل شخصية فريدة لكل منهم لفهمه. من خلال فهم بعض الاختلافات الأساسية بين طريقة تفكير الناس وتصرفهم، يمكننا أن نفهم بشكل أفضل وجهة نظر الآخرين ورؤيتهم، ويتيح لنا توقع النزاع بين الأشخاص والتخفيف منه.
5. الإحباط والتوتر
ينشأ الصراع في المواقف التي يكون فيها الأطراف المعنية متوترون للغاية أو محبطون من عملهم، مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية على الصعيد العام. يمكن أن تكون أسباب هذا التوتر بسيطة مثل الضوضاء غير المرغوب فيها، أو الافتقار إلى الخصوصية، أو مكان العمل غير المرتب، أو الخطورة للغاية مثل التهديدات بالعنف، والمضايقات، والنقد السلبي الشديد.
6. التنافس على الموارد
غالبًا ما تكون الموارد مثل المال والوقت والمعدات محدودة ونادرة، مما يؤدي إلى المنافسة بين الأفراد أو الإدارات على هذه الموارد، والتي تشكِّل سببًا متكررًا للنزاع. علماً أن هذه المنافسة غير الصحية يمكن أن تؤدي إلى ظهور بيئة سلبية في المنظمة، وبالتالي خفض الروح المعنوية في مكان العمل. طالما أن الموارد المهمة غالبًا ما تكون محدودة وتشكِّل أحد مصادر الصراع التنظيمي، لذلك يتعين على العديد من المنظمات التعايش معها وإدارتها بفعَّالية.
7. مهمات الاعتماد المتبادل
أحد الأسباب التي تؤدي للصراع هو مهمة الاعتماد المتبادل التي تنطوي على الترابط بين المهام. أي عندما يتطلب تنفيذ مهمة معينة الاعتماد على الآخرين لأداء مهامهم. عادةً ما يُنظر إلى الحالات التي ينطوي فيها إكمال مهمة الفرد على زملاء آخرين في العمل لأداء مهامهم على قدم المساواة، أو التضارب فيما يتعلق بكفاءة أو إخلاص زملاء العمل. مع العلم أن الافتقار إلى الكفاءة في أحد القطاعات يؤدي إلى تعطيل سير العمل بالكامل وظهور الصراعات.
8. الأهداف غير المتوافقة
غالبًا، ما تنشأ الأهداف غير المتوافقة بسبب الطرق المختلفة التي يتم بها تعويضات مديري الأقسام. لكي تعمل المنظمة بشكلٍ فعَّال وجيد، فإنها تحتاج إلى موظفين يعملون بجد ولديهم فهم مناسب لأهدافهم الفردية. وبالتالي ينشأ النزاع أحيانًا عندما يعتقد طرفان أن أهدافهما متنافية وغير متوافقة.
9. الاختلاف في الثقافة والقيم
في بعض الأحيان توجد فجوة عمرية معينة بين الموظفين في مكان العمل. علماً أن القيم تغيرت بمرور الوقت بسبب تقدم المجتمع، وأصبح المجتمع أكثر انفتاحًا وقبولًا للعديد من الإصلاحات الجديدة التي قد لا تتوافق دائمًا مع الأجيال الأكبر سناً. إن الاختلاف في القيم ليس نذيرًا دائمًا للصراعات، لكن الغطرسة في عدم قبول مثل هذا التغيير هي المؤشر للصراع.
أساليب إدارة الصراع التنظيمي
تشير إدارة الصراع التنظيمي الفعَّالة إلى ممارسة القدرة على تحديد النزاعات والتعامل معها بحكمة وعدالة وكفاءة، مما يخلق فرصة لتقوية العلاقات وتحسين المواقف. يمكن تصنيف أساليب إدارة الصراع التنظيمي تحت ثلاثة مجموعات:
أولاً: الأهداف المشتركة
لابد من ايجاد أرضية مشتركة بين المجموعات المتصارعة، وايجاد أهداف تتفق عليها أطراف الصراع وفتح قنوات الاتصال بينهم.
ثانياً: الطرق الهيكلية
- إحالة الصراع إلى مختص أو مستشار يعالج الصراع بتحديد مسؤوليات الأطراف المتصارعة
- تخفيف درجة الاعتمادية بين المجموعات، وجعلها معتمدة على نفسها
- تبادل الموظفين، حيث أن انتقال الموظفين من وحدة إلى أخرى يزيد من تفهمهم ويكسبهم خبرات جديدة
- إيجاد وظائف تنسيقية بين وحدات وأقسام المنظمة
ثالثاً: الطرق الإدارية والسلوكية والقانونية
- استخدام القوة أو السلطة أو كليهما لحسم النزاع، حيث يحاول أحد الأطراف حل النزاع عن طريق السلوك العدواني أو بالقوة أو التأثير الرسمي.
- تلطيف أو تسكين الصراع عن طريق مواساة أطراف الصراع بغية تهدئتهم
- تجاهل الصراع بشكل سلبي بدلاً من حله فعليًا، والبقاء على الحياد من أجل تجنب الصراع تمامًا
- التوفيق والتسوية بين أطراف الصراع من خلال استخدام المهارات الانسانية للتأثير عليهم. في هذه الحالة، يتم إنشاء سيناريو مربح للجانبين وبالتالي يرضي كلا الطرفين المتورطين في النزاع.
- المجابهة والهيمنة، حيث يتم اعتماد نهج أكثر استسلامًا من خلال الهيمنة والسيطرة على أحد أطراف الصراع.
إدارة الصراع التنظيمي الفعَّالة تجعل منظمات الأعمال أكثر استقراراً وإنتاجية. ولتحقيق ذلك يتطلب امتلاك المهارات الشخصية الجيدة والوعي الذاتي، والذكاء العاطفي، والثقة، والتواصل الفعَّال.