في عصرنا هذا أصبح التحوُّل الرقمي من الضروريات وبات من أولويات المنظمات والدول نظراً للتقدم والتطور السريع للتكنولوجيا. كما أنه ساهم في تغيير نمط الحياة البشرية وطريقة استهلاك الخدمات ونماذج أعمال العديد من المنظمات. تكمن أهمية التحوُّل الرقمي في إحداث تحوُّلات ثقافية وتنظيمية وتشغيلية. لذلك تتجه المنظمات اليوم الى تغيير نظرتها للمستقبل من خلال التحوُّل من التكنولوجيا باعتبارها “أمرًا ممتعًا” إلى التكنولوجيا كمحرك رئيسي للتحوُّل الرقمي الذي يعزِّز اتجاهات الموارد البشرية المستقبلية.
علاوة على ذلك، فإن التحوُّل الرقمي سيعزِّز التواصل الفعّال الذي يعتبر فرصة رائعة لإعطاء الأولوية للمواءمة الداخلية بين الموظفين والقيادة ورسالة المنظمة. لأن الموظفين يحتاجون إلى إدراك ومعرفة احتياجات قادتهم وأهدافهم حتى يتمكنوا من رؤية الصورة الأكبر في المستقبل. سأتطرّق في هذه المقالة إلى أبرز اتجاهات الموارد البشرية المستقبلية التي يعزِّزها التحوُّل الرقمي:
إعادة تشكيل المهارات
وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي، سيتم تحويل أكثر من ثلث الوظائف في جميع أنحاء العالم بفضل تكنولوجيا مكان العمل. بمعنى أن أكثر من مليار شخص سيحتاجون إلى إعادة تأهيلهم ومهاراتهم لمواكبة التكنولوجية الذكية. لذلك إعادة تشكيل المهارات وتحديثها يعتبر من الأولويات القصوى لمتخصصي الموارد البشرية في السنوات القادمة.
لذا يعتبر التعلُّم والتطوير المرن أحد أهم الاتجاهات المستقبلية بالغة الأهمية، لأنهما يخلقان تجربة ايجابية للموظفين الذين يرغبون أن يكونوا جزءاً منها. كما أن المنظمات تحتاج إلى بناء برامج من شأنها أن تلهم الموظفين للبقاء والاستمرار في وظائفهم واكتساب المهارات التي يمكن أن تعزز حياتهم المهنية. أو تسمح لهم بالانتقال إلى أدوار أكثر إرضاءً. وبالتالي فإن التحوُّل الرقمي للموارد البشرية يسهم في ذلك ويجعل الموظفين قادرين على إعادة تشكيل وصقل مهاراتهم وتطويرها في الوقت والمكان المناسب لهم.
تحليلات الموارد البشرية
مع تسارع وتيرة التحوُّل الرقمي والذكاء الاصطناعي وروبوتات الدردشة في إدارة الموارد البشرية، يزداد بشكلٍ كبير استخدام البيانات الضخمة. لذا أصبح من الضروري استخدام أدوات تحليلات الموارد البشرية للتعامل والاستفادة من هذه البيانات. لأن متخصصي الموارد البشرية يحتاجون لهذه الأدوات لاتخاذ قرارات تستند إلى هذه البيانات ويكون لها تأثير إيجابي في الأعمال. علاوة على ذلك فإن تحليلات الموارد البشرية تساعد بشكل رئيسي في جذب المواهب والاحتفاظ بها، وتمكِّن المنظمات من دعم اتخاذ قرارات أكثر ذكاءً مع فهم أفضل فيما يتعلق بالكثير من الأعمال.
التنوع والمساواة والإدماج
يجب أن يكون التنوع والمساواة والإدماج للقوى العاملة جزءاً هاماً وضرورياً من ثقافة المنظمة في المستقبل. لا سيما أن التنوع أصبح جزءًا أساسيًا لتجربة الموظف، ويجعل المنظمات أكثر قدرة على المنافسة في سوق العمل. لذلك ستركز اتجاهات الموارد البشرية المستقبلية على رفع مستوى التنوع في مكان العمل واعتماد ثقافة المنظمة الشاملة. كما أن التحوُّل الرقمي أيضًا سيلعب دورًا رئيسيًا في تحقيق التنوع والمساواة واستراتيجيات الإدماج.
تواجه بعض المجموعات من المتقدمين للوظائف صعوبة في الحصول على وظيفة. على سبيل المثال، الأشخاص ما فوق 50 عامًا وأصحاب الهمم. علماً أن العديد من هؤلاء يمكنهم تعلُّم واكتساب مهارات، أو يمتلك مهارات مطلوبة بشكل كبير. لذلك الاتجاه المستقبلي لإدارة الموارد البشرية يجب أن ينظر في المهارات المطلوبة أكثر من التوصيفات الوظيفية، وإعادة تصميم ممارسات الموارد البشرية على اساس المهارات كعامل رئيسي. وبما أن الهدف هو استقطاب وتوظيف أكثر تنوعًا ومهارةً وغير متحيز، يمكن للمنظمات البحث عن أشخاص متنوعين لديهم مجموعة مهارات محددة ومطلوبة بغض النظر عن خلفيتهم، بدلاً من البحث فقط عن الموظف الكامل الذي يتناسب تمامًا مع ملف الوظيفة.
التوازن بين العمل والحياة
أظهرت العديد من المنظمات مرونة وتمكنت من تكييف ممارسات عملها مع أزمة Covid-19. وفي كثير من الحالات كان للعمل من المنزل مزايا كبيرة، حيث أظهر الموظفون إبداعهم وريادتهم. لذلك ستكون السنوات القادمة فترة تحوُّل حقيقي، حيث ستدرس إدارة الموارد البشرية فرص تغيير مكان وتشكيل مستقبل العمل. إضافة إلى ذلك فإن العديد من المنظمات ستتوجه إلى دعم موظفيها بشكل متزايد للتدريب على التوازن بين العمل والحياة. لأنهم من خلال هذا النهج يساعدون موظفيهم على التعامل بشكل أفضل مع مختلف جوانب الحياة وخلق بيئة عمل مرنة وايجابية.
تتجه إدارة الموارد البشرية إلى المستقبل وهي جاهزة لفصل رقمي جديد. حيث ستلعب المنصات الرقمية دورًا أساسيًا في مشاركة الموظفين، وتجميع تحليلات المواهب، وتمكين العمليات الآلية التي تجعل العمليات الداخلية تعمل بشكل أسرع وأكثر سلاسة وفعالية. كما أن هذه الحلول الرقمية أيضًا ستعمل على إنشاء روابط أكثر جدوى بين الموظفين وأماكن عملهم. لأنه بغض النظر عن مقدار التكنولوجيا التي تدخل في حياتنا العملية اليومية، فإن الحاجة الأساسية للإنسان للشعور بالارتباط والوفاء ستظل أولوية دائمة لإدارة الموارد البشرية.