قضية هامة ذات تأثير مباشر على مجتمع الأعمال والمنظمات، وتعتبر واحدة من أكثر القضايا الهامة للباحثين والممارسين في مجال الابتكار والتطوير. هذه المسألة هي كيف يمكن للمنظمات أن توازن بين الضرورات التنافسية في الابتكار التحويلي والتميُّز التشغيلي. هناك من يعتقدون أنه من المستحيل على منظمة كبيرة القيام بالأمرين معاً. وكذلك آخرون يعتقدون أن المنظمات الكبيرة يمكنها تعلُّم القيام بذلك بشكل جيد.
الابتكار التحويلي
في الواقع، الابتكار التحويلي هو التغييرات التي تحوِّل النظام بأكمله إلى إطار عمل جديد، تم إنشاؤه ليكون قابلاً للتطبيق في المستقبل. كما أنه مفهوم أساسي في إنشاء نماذج أعمال مربحة وتنافسية وطويلة الأمد. الحفاظ على الابتكار التحويلي يوفِّر الاستقرار ويطيل عمر النظام الاداري الحالي للمنظمة. كما أنه يعتبر ابتكاراً جذرياً، ويؤسِّس تغييراً ثورياً في نظام المنظمة من حيث أنه يقدِّم ابتكاراً خارقاً. ولكن يحدث ذلك في سياق التخطيط طويل الأجل، حيث أن الهدف هو إنشاء نظام طويل الأمد.
الابتكار التحويلي هو أصعب ابتكار. لأنه يتعلق باستكشاف الفرص خارج المجال التقليدي للمنظمة. عادةً يتطلب هذا النوع من الابتكار تغييراً جذرياً أو توسيعاً لنماذج أعمال المنظمة. كذلك يتضمن الفرص التي تساعد المنظمة على التوسع واستكشاف نمو جديد. كما أن الابتكار التحويلي يتطلب فرق عمل ابتكارية مخصَّصة ومستقلة خارج وحدات الأعمال، مع إمكانية الوصول إلى المهارات والموارد من المنظمات العاملة.
التميُّز التشغيلي
التميُّز التشغيلي هو نتيجة عمل ومشاركة أشخاص فعَّالين وفرق عمل مبتكِرة، ومُعزَّز بالتطبيق الذكي والجيد لأدوات الإدارة الانسيابية مدموجة بإدارة التغيير الذكية. كذلك فإن التميُّز التشغيلي يتجاوز مفهوم استخدام أدوات وأساليب التطوير والتحسين. بل يتمحور حول ايجاد وبناء ثقافة تحثُّ على التميُّز في مختلف مجالات عمل المنظمة. سواء كانت تلك العمليات داخل مختلف المنظمات في القطاعين العام والخاص أو حتى في الهيئات الحكومية.
تدرك المنظمات عالية الأداء أنه لا يمكن تحقيق التميُّز أبداً. لأنه يعتبر عملاً وإنجازاً مرتبط بشكل دائم ومستمر بالتقدُّم والنمو والتطوُّر. إن تعزيز التميُّز التشغيلي – في عصرنا الرقمي هذا – يتطلب طُرقاً وأساليب جديدة للتفكير فيما يتعلق بالموارد البشرية والعمليات والتكنولوجيا التي تحتاجها المنظمات للحفاظ على استمراريتها ونموها. فهي تتطلب نهجاً رشيقاً يقوم باستمرار بإجراء تعديلات ليس فقط لتقليل مخاطر التشغيل وتكاليف التشغيل. وكذلك أيضاً لإيجاد قوة عاملة أكثر استقراراً وأماناً وتحفيزاً. وكذلك تحسين العمليات وتطويرها وزيادة جودة المنتج.
التوازن بين الضرورات التنافسية للابتكار التحويلي والتميُّز التشغيلي
إن المنظمات الكبيرة يمكن أن تكون مبتكِرة، إذا تمكنت فقط من الخروج من طرق العمل التقليدية الخاصة بها. علماً أن في هذه المنظمات الكبيرة هنالك قواعد عقلانية للموارد البشرية، والتمويل، والمشتريات، والتي تعتبر منطقية بشكلٍ عام، ولكنها في الواقع تمنع أو تكبت في بعض الأحيان الابتكار في مهدِه. غالباً ما تكون نفس العمليات والإجراءات التي تعمل بشكل رائع للتنفيذ متناقضة مع الابتكار المُلهِم.
السؤال الذي يؤرِّق الجميع: “هل من الممكن بناء منظمة لديها نظاما تشغيل متميِّزان، لكنهما متوافقان ومترابطان، أحدهما ينطبق على 99٪ من المنظمة والآخر ينطبق على 1٪ ، وجعلها تعمل؟“
الإجابة هي: “نعم، لكنها صعبة، ومعظم المنظمات لا تستطيع أو لا تفعل ذلك“
ما تحتاج المنظمة إلى القيام به معروف. تم تطوير الأنظمة والعمليات والأساليب والأدوات الخاصة بنسبة 1٪ بشكل جيد وقد ثبتت فعاليتها. لكن لا يزال يبدو أن المنظمات الكبيرة غير قادرة على إعداد نفسها للقيام بما هو مطلوب. لا تكمن المشكلة في أننا لا نعرف ما يجب القيام به، بل تكمن في أن هياكل المنظمات والعمليات والحوكمة اليوم لا تتوافق مع ما يجب القيام به. يتطلب الأمر تغييرات كبيرة في القيادة، وتصميم العمليات وتنظيم المنظمة لتحقيق النجاح. باختصار، إنها مسألة إرادة، وليست معرفة، وهذا ما يعيق التطوُّر والابتكار فيها.
هذا سوف يتغيَّر في المستقبل. ستنشأ منظمات غير مألوفة – تلك التي يمكنها التنفيذ والابتكار في نفس الوقت – والمنظمات التي لديها الإرادة للقيادة والتنظيم والحكم بالطريقة الصحيحة ستكون هي الفائز على المدى الطويل.