في سوق المواهب التنافسي، تُعدُّ ثقافة التعلُّم أمراً حيوياً لقدرة المنظمات على اكتساب المهارات المطلوبة. ولكن لتحقيق هدف التعلُّم في منظمات الأعمال، يجب أن يتم اعتباره جزءاً من دورة الحياة لدى جميع العاملين فيها. علاوةً على ذلك يعتبر التعلُّم التحدي الأعلى تصنيفاً في الاتجاهات العالمية لرأس المال البشري. في وقتنا الحالي يصنِّف الناس “فرصة التعلُّم” على أنها من أهم أسباب حصولهم على وظيفة. ويعرف قادة الأعمال أن التغييرات في التكنولوجيا وممارسات ونماذج الأعمال خلقت طلباً هائلاً على التطوير المستمر والتعلُّم مدى الحياة. كما أن منظمات الأعمال الرائدة تهتم بإتاحة فرص التعلُّم لموظفيها بطريقة أكثر فعالية، ودمج العمل والتعلُّم بشكل أكثر إحكاماً مع بعضهم البعض. وكذلك تسهيل وتوسيع إمكانية التعلُّم خارج نطاق منظمة الموارد البشرية.
متطلبات العمل والمهارات المتطورة
قادة الأعمال، وكذلك الموظفون أنفسهم، قلقون بشأن كيف يمكن لتقنيات مثل الروبوتات والذكاء الاصطناعي أن تغيِّر الوظائف وكيف ينبغي على الناس الاستعداد للقيام بها. علماً أن قلقهم له ما يبرره لأن بعض الوظائف ستختفي بسبب التكنولوجيا. حيث من المتوقع إلغاء العديد من الوظائف بسبب الأتمتة والتحوُّل الذكي لمنظمات الأعمال خلال العقود القادمة. في الواقع، كانت أهم مشكلة للقادة الاداريين فيما يتعلق بالقوى العاملة والمواهب، هي “مستقبل الوظائف”. ومن ثم تليها الحاجة إلى إعادة تصميم العمل، وإعادة تأهيل القوى العاملة. وفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن المنتدى الاقتصادي العالمي، أن أكثر من 54 % من جميع الموظفين سوف يحتاجون إلى إعادة تأهيل وتحسين في المهارات في غضون السنوات العشر القادمة.
“أصبح تحديث المهارات ضرورة حتمية للنمو بالنسبة لمنظمات الأعمال“
حيث شهد العديد منها عدم شغل الوظائف لأشهر أو سنوات بسبب الافتقار إلى المواهب المناسبة لملئها. ازداد وضوحاً اليوم في سوق المواهب أن المنظمات لا يمكنها الاعتماد فقط على التوظيف للعثور على أشخاص لهذه الأدوار. في حين أدت معدلات البطالة المنخفضة وافتقار أسواق العمل للموظفين المهرة في العديد من البلدان إلى صعوبة توظيف أشخاص “جاهزين” في الوقت المناسب.
لا بد أن ندرك جيداً الدور الرئيسي الذي يلعبه التعلُّم في اكتساب المهارات المطلوبة بشكل كبير. لذلك الكثير من منظمات الأعمال سيتعاملون مع قضايا إعادة تصميم الوظائف. وكذلك سيميلون أكثر إلى التدريب أكثر من التوظيف كطريقة لاكتساب المواهب التي يحتاجون إليها. كما أنهم سيزيدون استثماراتهم في برامج تحديث وتحسين المهارات. وهنالك العديد من منظمات الأعمال ستعمل على زيادة عدد قادة فِرَق التعلُّم لديها. مما يرفع مستوى التعلُّم إلى الأدوار الأسرع نمواً في الموارد البشرية.
تتخذ العديد من مجموعات التعلُّم والتطوير خطوات إيجابية مثل اعتماد نماذج التعلُّم المرنة وذاتية التوجيه. لذلك إذا أرادت منظمات الأعمال مواجهة تحديات المواهب التي تنتظرها يجب أن تعمل على تنمية وتطوير ثقافة التعلُّم، من أعلى مستوى في المنظمة إلى أدنى مستوى فيها.
التعلُّم والعمل
تؤدي التغييرات السريعة والمستمرة في طبيعة العمل نفسه إلى تغيير العلاقة بين التعلُّم والعمل. مما يجعلهما أكثر تكاملاً وترابطاً من أي وقت مضى. وهذا يخلق تحدياً وفرصة لبناء برامج تعليمية قوية تركز على العمل. وكذلك مساعدة الأشخاص على استهلاك المعلومات ورفع مستوى مهاراتهم في المسار الطبيعي لوظائفهم اليومية. للمساعدة في تحقيق ذلك، من المتوقع أن نموذجاً جديداً قد يظهر مُستوحَى من التطور في تكنولوجيا المعلومات الذي شهدناه في السنوات الأخيرة.
مع زيادة وتيرة التغيير التكنولوجي، تطورت فرق تكنولوجيا المعلومات من نماذج التصميم والتطوير والاختبار والتشغيل المتسلسلة إلى نماذج جديدة. والتي تدمج تصميم النظام وتطويره وأمانه واختباره، والعمليات في عملية متصلة قائمة على الفريق. بطريقة مماثلة، من المتوقع ظهور مناهج جديدة لدمج التعلُّم والعمل، وربما الجمع بين التطوير والعمل بناء على إدراك أن التعلُّم والعمل هما وجهان متصلان باستمرار لكل وظيفة.
للمساعدة في إنشاء بيئة تطوير الأعمال، من المتوقع أن يحتاج قادة الأعمال والموارد البشرية إلى:
- البحث عن الفرص لدمج التعلُّم في الوقت الحقيقي وإدارة المعرفة في سير العمل. نظراً لأن الأجهزة المحمولة والأجهزة الذكية أصبحت منتشرة في كل مكان تقريباً. عندها ستتمكن منظمات الأعمال من استكشاف أساليب جديدة للتعلُّم الافتراضي حيث يحدث التعلُّم بجرعات صغيرة، بشكل غير مرئي تقريباً، طوال يوم العمل.
- جعل التعلُّم أكثر خصوصية بحيث يستهدف الفرد ويتم تقديمه في أوقات وأنماط مناسبة حتى يتمكن الموظفون من التعلُّم في أوقاتهم الخاصة. في حين يمكن أن تلعب التكنولوجيا دوراً مهماً في تحقيق ذلك. علاوةً على ذلك، مع تزايد أعداد موفِّري التعلُّم الذين يقدمون الآن مناهج تعليمية بالفيديو والنصوص والبرامج بأشكال أصغر وأكثر قابلية للفهم، تتمتع منظمات الأعمال بفرصة صياغة مناهج تتيح لموظفيها التعلُّم بالطريقة التي يرونها مناسبة.
- دمج التعلُّم مع عمل الفرق وكذلك الأفراد. نظراً لأن الفرق أصبحت أكثر أهمية في تقديم المزيد من أنواع العمل، ستقدم منظمات الأعمال فرصاً تعليمية تدعم الأفراد كأعضاء في فرق. كما أنها ستوفر محتوى وتجارب خاصة بسياق فريق العمل.
الملكية والمساءلة المشتركة
هناك وجهة نظر متنامية مفادها أن مسؤولية التعلُّم والتطوير يجب أن يتشارك فيها الموظفون ومنظماتهم، الموارد البشرية والأعمال التجارية. وكذلك المنظمات والمؤسسات التعليمية والحكومات. إن المسؤولية المشتركة هذه أكثر من مجرد إنشاء ملكية مشتركة. بل إنها تتيح المساءلة المشتركة للنجاح وهو يمثل فجوة كبيرة في معظم المنظمات. على الرغم من الاستثمارات الكبيرة في كثير من الأحيان في التعلّم، فإن العديد من منظمات الأعمال لا تربط حوافز الأداء ببرامج التعلُّم الخاصة بها. علاوةً على ذلك، المنظمات التي تضع حوافز للمساعدة في التأكد من أن المديرين يدعمون التعلُّم، وأن الموظفين يجدون فرص التعلُّم، هي عملية يتم متابعتها من قبل المديرين والمشرفين. ومن المرجح أن تجني الفوائد من حيث المهارات الجديدة المكتسبة ومن حيث تشجيع ثقافة التعلُّم.
دمج التعلّم في دورة الحياة
قد لا يكون دمج التعلُّم والعمل هو التحدي الأخير الذي تواجهه المنظمات والأفراد. علماً أن متوسط العمر المتوقع، جنباً إلى جنب مع التغييرات الوظيفية المتكررة والمعدل المتسارع لتقادم المهارات، قد يشكل أيضاً تحدياً كبيراً أمام منظمات الأعمال. بالتالي في عالم تُغيِّر فيه التكنولوجيا الوظائف ويعيش الناس حياة أطول بمهن أكثر تنوعاً، ليس لدى المنظمات فرصة فحسب، بل لديها مسؤولية إدارة المعرفة لإعادة ابتكار التعلُّم بحيث يندمج في دورة العمل والحياة.
ستدرك منظمات الأعمال أن تعزيز ثقافة التعلُّم مدى الحياة والحفاظ عليها ليس مجرد جزء من مهمتها وهدفها. بل هو ما يعطي موظفيها معنى داخل وخارج مكان العمل.