كل عامٍ وجميع المدرِّسين في جميع أنحاء العالم بألف خير. لم أشأ أن يمرّ تاريخ 5 أوكتوبر (اليوم العالمي للمدرّس) دون أن أكتب شيئاً، من خلال تجربتي في مجال التعليم والتدريس، يمكن أن يسلط الضوء على بعض المهارات التي يحتاجها المدرِّس لإتقان مهنة التدريس والإبداع في تنفيذها لتحقيق غاياتها وأهدافها المستقبلية.
العلم غذاء العقل، وهو اساس تقدم المجتمعات ورقيّها، ومفتاح التطور في جميع مجالات الحياة. كما أنه النور الذي ينير الدرب أمام البشرية ليخرجها من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة. وبفضل العلم أصبح العالم المترامي الأطراف قرية صغيرة، نستطيع الوصول إلى حدودها في لحظات، بل انطلق الإنسان إلى الفضاء، وحط على سطح القمر، وربما تأخذنا الأبحاث والدراسات إلى آفاق أبعد من الخيال. فالعلم هو الطريق الوحيد لمعرفة الحقائق واكتشاف كلّ ما هو مبهم وغامض، ومواكبة كلّ ما هو جديد في هذا العالم. وكذلك فإن السعي في طلب العلم يحتاج الكثير من الجهد، وحتى ينتشر العلم بين البشر لا بد من وجود المدرِّسين الذين يحملون على عاتقهم هذه المسؤوليّة العظيمة.
مهنة التدريس وأهميتها
المدرِّس هو الشخص الذي ينشئ أجيال واعدة متعلمة ومثقفة، فعندما يقف المدرِّس في قاعة التدريس فإنه يعطي علمَه لعشرات الطلاب وليس لطالبٍ واحد. لذا فإنّ تأثيره على المجتمع سيكون كبيراً من خلال التأثير على عقول ذلك العدد الكبير من الطلاب. إن المدرِّس يجعل من طلابه أشخاصاً ذوو هدف في هذه الحياة، وينير عقولهم ليفكروا بطريقة صحيحة وإيجابيةّ، ولكشف الحقائق أمامهم، ويولِّد الأمل لديهم ويجعلهم أكثر يقيناً بأنّهم هم بناة وقادة المستقبل. وكذلك فإن المدرِّس هو القائد الاستراتجيي الذي ينتج ويخرِّج أجيالاً أكثر إبداعاً في مجالات الحياة المختلفة من خلال تجدُّدِه وابتكاره في أداء مهنته، وهو الذي يشجعّهم على المضي قدماً نحو المزيد من الإبداع.
لذا فإنّ مهنة التدريس هي المهنة الوحيدة القادرة على بناء المجتمعات الناجحة والمتفهّمة لهذه الحياة ومتطلّباتها، والمواكبة لكلّ ما هو جديد في هذا العالم، وهي المهنة التي تنشئ العلماء والمفكّرين والمبدعين في المجتمعات المختلفة. وتنبع أهمية مهنة التدريس من التالي:
1) اكتشاف القدرات وتحفيزها
يعمل المدرِّس كنظام داعم ومساند لا يتواجد في مكان آخر في حياة الطلاب. إذ يدرِّس الطلاب معنى المسؤولية في النجاح أو الفشل، فمُعظم الناس يتذكّرون المدرِّس المُفضّل لديهم، وخاصّةً الذي ترك فيهم أثراً. وفي معظم الأحيان يكون المدرِّس هو أوّل من يكتشف مواهب الطلاب وقدراتهم، إذ يساهم في تنمية هذه المواهب عن طريق تدريب الطلاب على إبرازها وصقلها. بالإضافة إلى دوره في تنمية ثقة الطلاب بأنفسهم، وتحفيزهم بشكل دائم على تحقيق أهدافهم. كما يمتلك المدرِّس القُدرة على تشكيل الآراء والأفكار عن المجتمع والحياة ممّا يساهم في توسيع آفاق الطلاب ودفعهم للإبداع.
2) زيادة المعرفة والمهارات
يؤثّر المدرِّس في الأداء الأكاديمي لطلابه بمعدّل ضعفين إلى ثلاثة أضعاف مقارنةً بتأثير المُتغيرات الأخرى المُتعلقة بالمؤسسة التعليمية (مدرسة – معهد – جامعة). وذلك لأن المدرِّس المتميِّز يتمتع بمهارات كبيرة تعمل على تطوير وتحسين مخرجات التدريس، من خلال فرض تحدّيات على الطلاب لتحفيز قدرتهم على التفكير. وكذلك تزويدهم بالمعرفة والمهارات اللازمة لمُواجهة التحديات والتغييرات في المستقبل. علماً أن القدرة على تقديم المعلومات بطريقة تُمكّن الطلاب من تذكُّرها واستخدامها هي من أعظم الهِبات التي يقدّمها شخص لآخر. علماً أن هذه المعلومات تعطي الفرد القدرة على النظر إلى الحياة من زوايا مختلفة، وتُساهم في اكتسابه المعرفة والخبرة التي تُؤثّر في حياته لاحقاً.
3) الإبداع المتواصل والتحسين المستمر
تخضع عملية التدريس لمعايير معينة متعلقة بمنهجية وأساليب التدريس ولكنّ هذا لا يمنع المدرِّس من الإبداع في عمله، وجعل الدروس مُبتَكرةً ومُمتعةً لتشجيع الطلاب على التفاعل معها. وحتّى يتمكّن المدرِّس من الإبداع في عمله يتوجّب عليه تطوير نفسه باستمرار وذلك من خلال طلب التوجيه والإشراف من أصحاب الخبرة والكفاءة بشكل منتظم.
يمكن اعتبار التدريس دورة تعلُّم مُستمرّة، إذ لا تنتهي عملية التعلُّم بعد التخرج والحصول على الوظيفة بل تستمرّ مدى الحياة. حيث يساعد الاستمرار في التعلُّم الأشخاص على تطوير قدراتهم بشكل دائم، وإتقان أعمالهم باحترافية عالية. لذلك فإنّه من الضروري أن تعمل قيادات المؤسسات التعليمية على تمكين المدرِّسين من تطوير أنفسهم مِهنياً، ليكونوا أكثر فاعليةً وكفاءةً في مختلف جوانب عملهم وحياتهم.
4) إنشاء أجيال المستقبل
يُعدُّ المدرِّس قادة المُستقبل، وذلك بهدف إنشاء أجيال مستقبلية ناجحة وبالتالي فهو يشارك في صناعة المُجتمعات على المستوى المحلي والعالمي. حيث يمكنه تحقيق ذلك من خلال التوجيه اليومي للطلاب حول أهمية المشاركة، والاحترام، وتقبُّل الاختلافات، والتحلّي بالأخلاق الجيدة. وبالتالي فإنّ الطلاب يتعلّمون النموذج المثالي لسلوك القادة ويحرصون على محاكاته.
5) مفاتيح المستقبل
يحتاج الطلاب لتحقيق النجاح على المدى الطويل إلى تطوير كفاءات ومهارات متعدّدة تشمل جميع المناهج الدراسية. حيث تتعدّى وظيفة المدرِّس اليوم من تقديم المعرفة بالمحتوى أو التدريب على المهارات الأساسية إلى مساعدة الطلاب على تطوير مهارات التفكير الناقد، وإتقان حل المشكلات، وتدريبهم على التعاون بفعالية، وبناء علاقات صحية. وتُعتبر هذه المهارات هي مفاتيح وسبل مواجهة تحديات الحياة المستقبلية. كما أنها تعتبر السبب وراء اعتبار مهنة التدريس أهمّ مهنة في العالم. إذ أنّ المدرِّس يعطي المفتاح لحياة أفضل لكلّ طالب، ويبني الأساس لمجتمع قوي.
المهارات الأساسية التي تحتاجها مهنة التدريس
على الرغم من الدرجات العملية التي ينالها المدرِّس للانخراط في مهنة التدريس، إلا أن العديد من المدرِّسين يفتقدون المهارات لتوصيل المعلومة إلى الطلاب. وكذلك يزيدون المادة تعقيداً بأسلوب أقرب إلى الجمود في طرح المواضيع داخل القاعة الدراسية. في حين يفشل آخرون في عملية الشرح والإفهام التي تحتاج إلى حركات تكاد تكون درامية. حيث يستطيع المدرِّس من خلالها السيطرة على عقول الطلاب وجذب انتباههم له حتى لا يشعرون بالملل ويشرد ذهنهم إلى خارج القاعة الدراسية.
هناك الكثير من الأدوار المختلفة في العملية التدريسية، والتي تتطلب مهارات مختلفة. هنا نلقي نظرة على سبب وجوب التفكير في بعض المهارات (على سبيل المثال وليس الحصر) التي تحتاجها لإتقان مهنة التدريس:
1. التخطيط والتنظيم
كون التعليم مهنة تتطلب كثير من المهام، وقيام المدرِّس بالتعامل مع الطلاب، وكذلك متابعة جدوله اليومي، والتعليقات المتعلقة بالمحتوى التدريسي الذي يقدمه، وهذا يعني أنه يجب أن يكون مخطِّطاً ومنظَّماً، ولديه القدرة على إدارة الوقت والتعامل بدقة مع مهامه المتعددة، واحترام الوقت، مع الاستعانة بما يساعده على تدبير أداء كل المطلوب دون أن يخل بالتوازن في تحقيق أي منهم.
وهذه العمليةُ هي أولُ مهارةٍ يجب أن يتقنها المدرِّس الذي يسعى للتميُّز في عمليتهِ التدريسية. علماً أنه يقوم بها وحده، فهو يفكر في الأمور والموضوعات التي سيُدرسّها للطلاب، وفي الكيفية التي يتم التدريس فيها. كما أن عملية التخطيط والتنظيم تتطلب من المدرِّس القدرة العالية التي يستطيع من خلالها معرفة طبيعة الفئة المستهدفة (المُتعلمين) ومعرفة أهمّ احتياجاتهم ليحرص على تواجدها أثناء التدريس. وكذلك يحدّد أيضاً ما يتميّز به هؤلاء الطلاب من قدرات وإمكانيات لمحاولة تكريسها والاستفادة منها في العملية التدريسية.
2. الاتصال
جزء كبير من عملية التدريس هو توصيل المعلومات. علماً أن أكثر ما يميز المدرِّس الناجح هو التواصل الفعال مع طلابه. قد يكون هذا التواصل لفظياً أو مكتوباً أو عبر أي طريق آخر من العروض العملية إلى التفسير الفني، أياً كان ما يعبر عن وجهة نظرك.
3. الصبر والمرونة
يتعلَّم الناس بمعدلات مختلفة. إذا كان عليك شرح شيء ما سبع مرات بسبع طرق مختلفة، فهذا مجرد جزء من مهنة التدريس. وعندما تواجه سلوكاً صعباً، فأنت بحاجة إلى التزام الهدوء والصبر والمرونة والمثابرة وعدم فقدان أعصابك. وبما أن الصبر والمرونة هما من سمات الشخصية المتأصِّلة والتي يمكن تحسينهم. عليك أن تتدرَّب على التفكير قبل أن تتحدث، أو اجعل الصبر والمرونة أحد أهدافك اليومية.
4. الإبداع
يتعلَّم الناس بشكل أفضل عندما يفعلون شيئاً ممتعاً وشيِّقاً. يعود الأمر إليك في أن تكون مبدعاً في أسلوبك، وأن تجد طرقاً جديدة وممتعة لتُعلِّم طلابك. ويمكنك ذلك من خلال التعوُّد على مشاركة الأفكار والعصف الذهني عندما تواجه مشكلة. علماً أنها مهارة ستساعدك على التواصل مع الجميع في المستقبل والتوصل إلى حلول أكثر إبداعاً.
5. الحماس
حماسُك شيءٌ مُعدِي ومؤثِّر، لذا إذا كنت تحب عملك ومهنتك فستتمكن من التأثير على الأشخاص الذين تدرِّسهم. لذلك احرص على تدريس مادة تحبها. وإذا كنت مضطراً لتدريس أو تقديم شيئاً آخر، فحوِّله إلى شيء يمكنك أن تكون متحمساً له. وابحث عن طرق يمكنك تجاوز حالة الملل إن وجدت.
6. الثقة
تساعدك الثقة عندما تقف وتدير الفصل الدراسي، بغض النظر عن مستوى طلابك وأعمارهم. حيث تتضمن الكثير من وظائف قطاع التعليم التحدُّث أمام الجمهور، لذا فإن الثقة أمرٌ لا بد منه. ولتطوير الثقة لديك جرِّب أشياء جديدة وحدِّد لنفسك التحديات. علماً أن الأشخاص الواثقين من أنفسهم يمكنهم أن يكونوا على طبيعتهم دون القلق بشأن إرضاء الآخرين والتوافق معهم.
7. التفاني والذكاء العاطفي
ليس هناك من ينكر أن التدريس يمكن أن يكون صعباً في بعض الأحيان. إذا كنت ملتزماً بمساعدة طلابك على النجاح فستتمكن من الحفاظ على مستويات طاقتك وتجنُّب الإحباط. ويمكنك تطوير هذه المهارة من خلال تطوير ذكاءك العاطفي بشكل عام والتعاطف بشكل خاص. لأنك عندما تضع نفسك في مكان شخص آخر، يمكنك أن تفهم بشكل أفضل ماذا يريد وكيف يجب التعامل معه.
8. المهارات التكنولوجية
ربما تكون مدرِّساً ناجحاً ومتميِّزاً داخل الفصل الدراسي، لكن في عصرنا هذا يتطلب منك اكتساب مهارات أخرى إضافية لتحقيق النجاح. وأهم تلك المهارات هي المهارات التكنولوجية التي تمكِّنك من استخدام الأدوات المناسبة مع الطلاب. يجب أن يكون المدرِّس على دراية بمهارات الكمبيوتر الأساسية وإتقان برامج المحادثة وتحميل الملفات وتحديث البرامج وبعض الإلمام بمنصات التواصل الاجتماعي، والقدرة على اكتشاف المشكلات الفنية البسيطة وحلّها. وكذلك إجراء تقييمات دورية لنفسه وللمنهج الذي يقدِّمه، والاستماع إلى الطلاب ورغباتهم وتعليقاتهم، مع القدرة على تحسين بيئة الدراسة، والاهتمام بالتدريب المستمر.
إنّ إتقان المدرِّس لهذه المهارات كحدٍ أدنى يسهّل تحقيق أهداف العملية التدريسية، ويسهّل تنفيذ ما تتطلبه من أعمالٍ ومهام. كما أنّ إتقان هذه المهارات يعمّق عملية التعلُّم والتعليم، مع زيادةٍ في الوعي والمعرفة لدى المدرِّس والخبرة النظرية الأساسية له. وهكذا تصبح ممارسة العملية التدريسية أمراً في غاية السهولة واليسر، وبالتالي يمكن إحداث أهمّ الإنجازات فيها من قِبل المدرِّس والطالب.