إن التركيز على إدارة المواهب أمر لا مفر منه نظرًا لأن المنظمات، في المتوسط، تنفق الآن أكثر من ثلث إيراداتها على أجور الموظفين ومزاياهم. إضافةً لذلك القدرة على توظيف المواهب والاحتفاظ بها ونشرها وإشراكها بشكل فعال على جميع المستويات هي حقًا الميزة التنافسية الحقيقية الوحيدة التي تمتلكها المنظمة. علاوةً على ذلك، إن التغييرات في التكنولوجيا، ونقص المهارات في جميع أنحاء العالم جعلتنا جميعًا على دراية بهذا التحوُّل العقلي. حيث لم يعد الترتيب الهرمي يأتي تلقائيًا قبل القدرات المهنية. لذا تدرك المنظمات أنه يجب أن يكون لديها أفضل المواهب من أجل النجاح في الاقتصاد العالمي شديد التنافس والمعقد بشكل متزايد. إلى جانب ذلك، تدرك المنظمات أيضاً أنه يجب عليها التركيز على إدارة المواهب كمورد حاسم لتحقيق أفضل النتائج الممكنة.
مكونات إدارة المواهب
إدارة المواهب هي عملية مهمة تضمن للمنظمات وجود عدد ونوعية الأشخاص الموجودين في المكان المناسب لتلبية أولويات أعمالهم الحالية والمستقبلية. تغطي إدارة المواهب جميع الجوانب الرئيسية “لدورة حياة” الموظف (الاختيار والتطوير والتعاقب وإدارة الأداء). كذلك تشمل المكونات الرئيسية لإدارة المواهب عالية الفعَّالية ما يلي:
- فهم واضح لاستراتيجيات العمل الحالية والمستقبلية للمنظمة.
- تحديد الفجوات الرئيسية بين المواهب الموجودة والموهبة المطلوبة لدفع نجاح الأعمال.
- خطة إدارة المواهب السليمة المصممة لسد فجوات المواهب. كما يجب أن تتكامل مع الخطط الإستراتيجية وخطط العمل.
- قرارات توظيف وترقية دقيقة.
- ربط الأهداف الفردية والجماعية بأهداف المنظمة، وتقديم توقعات وتعليقات واضحة لإدارة الأداء.
- تنمية المواهب لتعزيز الأداء في الوظائف الحالية وكذلك الاستعداد للانتقال إلى المستوى التالي.
- التركيز ليس فقط على استراتيجية المواهب نفسها، ولكن على العناصر المطلوبة للتنفيذ الناجح.
- قياس تأثير الأعمال وفعالية القوى العاملة أثناء وبعد التنفيذ.
أسباب التركيز على إدارة المواهب
1. العلاقة الطردية بين المواهب والأداء التنظيمي
تسعى المنظمات بشكل متزايد إلى تحديد عائد استثمارها في المواهب. حيث أن النتيجة هي مجموعة من “الأدلة” التي ترسم صورة مقنعة لتأثير الموهبة على أداء الأعمال. وبالتالي، إن المنظمات الأكثر فعالية في إدارة المواهب لديها نسب أعلى من الأداء التنظيمي المتفوق مقارنة بمجموعات المنظمات ذات الحجم المماثل مع إدارة المواهب الأقل فعالية.
2. المواهب مورد ثمين يخلق قيمة للمنظمات
غالبًا ما تعتمد القيمة المالية للمنظمات على جودة المواهب. حيث أنها تدير المواهب بنفس الدقة التي تتعامل بها مع أصولها المالية، وتعامله على أنه المورد الثمين الذي هو عليه، عادة ما ترى نتائج أفضل. لذا، إنها تعيد تخصيص المواهب في المجالات عالية القيمة وتدفع إدارة المواهب إلى قمة جدول أعمال النمو. في القرن الماضي، أظهرت العديد من الدراسات أن أكثر من 60% من متوسط قيمة المنظمة يُعزى إلى أصولها المادية، بما في ذلك المعدات والمرافق. وحوالي 40% فقط إلى الأصول غير الملموسة مثل، براءات الاختراع والملكية الفكرية والعلامة التجارية، والأهم من ذلك كله، الناس. أما في هذا القرن، انقلبت هذه النسب المئوية تقريبًا. حيث تُعزى 80% من القيمة إلى الأصول غير الملموسة و 20% إلى الأصول الملموسة.
3. التعقيد والديناميكية في نماذج الأعمال الحديثة
أكثر من أي وقتٍ مضى، المنافسة الشديدة تجعل من الصعب الحفاظ على ميزة تنافسية على المدى الطويل. حيث أن المنتجات الجديدة، ونماذج الأعمال الجديدة لها دورات حياة أقصر، وتتطلب ابتكارًا مستمرًا. علاوةً على ذلك، تتيح التكنولوجيا الذكية وصولاً أكبر إلى المعلومات وتجبر المنظمات على التحرك “بسرعة العمل”.
4. التركيز على كبار القادة
تركز مجالس الإدارة والمستثمرون على كبار القادة، حيث يتوقعون منهم أن يخلقوا قيمة. علماً أن هذا التركيز، الذي يظهر بشكل أكثر وضوحًا على مستوى الرئيس التنفيذي ولكن بشكل عام يتم الشعور به صعودًا وهبوطًا في مخطط المنظمة، يؤدي إلى زيادة التركيز على جودة المواهب. وليس فقط على مستوى كبار القادة، بل على جميع المستويات.
5. تغيُّر توقعات الموظفين
يهتم الموظفون اليوم بالحصول على عمل مليء بالتحديات وذات مغزى. مما يجبر المنظمات على التركيز بشكل أكبر على استراتيجيات وممارسات إدارة المواهب. علماً أنهم أيضاً أكثر ولاءً لمهنتهم من المنظمة، وأكثر اهتماماً بالتوازن بين العمل والحياة، وعلى استعداد لتحمل ملكية وظائفهم وتطورهم. نتيجة لذلك، فإن الاستجابة لهذه التحديات التي لا تعد ولا تحصى تجعل من الصعب جذب “قلوب” و “عقول” القوى العاملة اليوم. ومع ذلك، من الأهمية بمكان القيام بذلك، حيث توجد مجموعة كبيرة من الأدلة التي توضح كيف أن الثقافات المبنية داخل المنظمات ضرورية لجذب المواهب الرئيسية والاحتفاظ بها.
6. تطوُّر تركيبة القوى العاملة
من المتوقع أن تصل نسبة العاملين الذين أعمارهم بين 60 و 64 عاماً إلى 60% خلال السنوات الخمس القادمة. معظمهم في المناصب العليا، مما يؤدي إلى إضعاف فرصة المواهب ذات المستوى الأدنى للتقدم وترك الموظفين الشباب يشعرون بأنهم عالقون. وربما يبحثون عن فرص مع المنظمات الأخرى، مما يزيد من تأجيج الحرب على المواهب.
في عصر إدارة المواهب اليوم، ليس الأمر “ماذا تفعل؟” بل أكثر من ذلك. لذا، يجب على المنظمات ممارسة توظيف فعَّالة وشاملة، وأن تكون استبقاية من خلال عملية شاملة تحدد باستمرار وتتبع وتطور الموظفين والاحتفاظ بهم.